أفتت دار الإفتاء المصرية بأن قيام بعض المزارعين بحرق قش الأرز وحطب القطن هو نوع من الإفساد في الأرض، وأنه من المحرمات الكبرى، وقالت في بيان لها أمس: "إن التحريم يأتي استنادا إلى القاعدة الشرعية لا ضرر ولا ضرار، حيث أثبتت الأبحاث العلمية أن الأطفال هم أكثر الفئات تأثرا بتلوث الهواء الذي تسببه هذه الأفعال وغيرها، فيصابون بضيق التنفس وأمراض الشعب الهوائية، وزيادة احتمال الإصابة بمرض الربو والتهاب العين".
وأضاف البيان أن "هذا التصرف عامل كبير من عوامل تكوين السحابة السوداء التي هي من أكثر مظاهر التلوث البيئي، وإذا كانت هذه الحرائق سببا في كل هذه الأضرار، فإن القيام بها والتسبب فيها يعد إفسادا في الأرض وبغيا بغير حق، وهي من الكبائر التي نص القرآن الكريم على تحريمها".
وشددت أمانة الفتوى بالدار أنه "لا يشفع لمن يفعل ذلك أنه يريد بهذا الحرق قتل الحشرات الضارة، فإنه يمكن الاستعاضة عن هذه الطريقة بطرق أخرى آمنة يعرفها المتخصصون".
ودعت دار الإفتاء أجهزة الدولة للسعي بكل ما لديها من إمكانات وقدرات للقضاء على هذه الظاهرة، والحد من خطورتها بالإسهام في توفير الأساليب اللازمة التي تساعد المزارعين على نقل قش الأرز إلى حيث يستفاد منه، أو يتخلص منه بطريقة آمنة، حتى لا يتحمل المزارعون ما لا يطيقون، وحتى لا نترك مجالا لتبرير هذه الأفعال".
وشددت الدار على أنه يجب على الناس أن يسعوا سعيا جادا لمكافحة هذا الخطر الداهم، وأن يأخذوا على أيدي أولئك العابثين بمقدرات الخلق من غير إدراك أو وعي منهم لعاقبة فعلهم ولا لوبال إفسادهم، مشيرة إلى أن دور الجماهير في ذلك أهم وأكثر تأثيرًا، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
كما أكدت الفتوى أنه "على كل إنسان يعلم بوجود من يقوم بمثل هذا العمل أن يعمل على منعه بنصحه، أو بتبليغ الجهات المسئولة عنه، على اعتبار أن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمور به شرعا".
وشددت على أن "مؤسسات المجتمع المدني عليها أن تسعى في توعية الناس بخطر هذه التصرفات، وأن تسهم أيضا في مساعدة الفلاحين على التخلص من قش الأرز وغيره بطريقة آمنة، كما أنه على أئمة المساجد وخطبائها ومعلمي المدارس دور كبير في الوعظ والإرشاد والنصح لكافة فئات المجتمع وطبقاته".
استقلالية دار الإفتاء
من جهة أخرى أعلن الدكتور علي جمعة مفتي مصر في بيان له أمس عن "تكثيف عمل الفتوى خلال الفترة القادمة مع بدء استقلال دار الإفتاء ماليا وإداريا، وهو ما سيعزز قدرة الدار على تأدية وظيفتها وواجبها الديني والوطني، في توصيل الاستشارات الشرعية لطالبيها في مصر والعالم الإسلامي، من خلال الاستفادة بكل الوسائل التقنية والعلمية الحديثة".
وأضاف أن "هذا الاستقلال سيدعم برنامج التنمية البشرية للباحثين وأمناء الفتوى، والتي تهدف إلى إعداد جيل من العلماء القادرين على القيام بدور فعال وقوي في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير، في مواجهة دعاوى التطرف والتشدد، والتصدي للأشخاص غير المؤهلين علميا للقيام بذلك الدور الحساس في حياة الأمة الإسلامية ومستقبلها، وغلق جميع المنافذ أمامهم".
وأشار إلى أنه "في إطار تطوير الدار سيتم أيضا إنشاء وحدة خاصة لفض المنازعات الأسرية، وإضافة عدد جديد من اللغات الشرفية لموقع الدار لخدمة المسلمين في العالم، وإصدار مجلة للدار تحتوي على البحوث الفقهية والعلمية، وتفعيل وبدء نشاط مركز التعليم عن بعد؛ لخدمة الباحثين وطالبي العلم في جميع أنحاء العالم".
إفساد وإفساد
وفي تعقيبه على فتوى دار الإفتاء التي اعتبرت حرق قش الأرز إفسادا في الأرض، يوضح الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية أن ما صرحت به دار الإفتاء قد اعتمدت فيه على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار، وأن في هذا المسلك ما يؤدي إلى الأضرار بصحة الناس خاصة وبالبيئة بوجه عام.
وأضاف " هذا الحكم الصادر عن دار الإفتاء يدخل ضمن واجب الحفاظ على البيئة، وهو مطلب
جدير عبرت عنه على أساس أن هذا العمل هو من باب الافساد من الأرض ، ويتعارض مع قوله تعالى ولا تعثوا في الأرض مفسدين.
ويستدرك: " لكن ينبغي فهم مصطلح الإفساد في هذا الصدد على أنه لا يقصد به مطلقا الإفساد في الأرض الذي تضمنته آية الحرابة في قوله تعالى :" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
ويشير الجندي إلى أن الإفساد في هذه الآية إنما يندرج ضمن الجرائم الحدية التي تجني على أرواح الناس وأموالهم وسكينتهم واستقرارهم، بما تتضمنه من إزهاق الأرواح والاعتداء على الأموال والأعراض، وهذا معنى أدخل في نطاق الجنايات ، فهو معنى إفساد خاص.
ويضيف أن هذا الإفساد الخاص لا ينصرف إلى الإفساد الذي عبرت عنه دار الإفتاء؛ لأنه يعني الفساد بمعناه العام، الذي يقتضي المحافظة على ما خلقه الله سبحانه وتعالى من عناصر الابداع والنظافة في هذا الكون الذي أنعم الله بها علينا، دون أن يشكل اعتداءا محددا ضد شخص أو مال أو شيء من هذا القبيل ، فالمجني عليه ليس محددا كما في إفساد آية الحرابة.
ويستطرد:" الفساد في الآيات الأخرى والتي قصدته دار الإفتاء إنما جاء ليحافظ على البيئة التي خلقها الله لنا، وعلى الصحة الكونية التي ينبغي أن نتضافر جميعا في سبيل الحفاظ عليها والإبقاء على نظافتها ، فهذا واجب عام يعم كل شخص يعيش على كوكب الأرض، وبالذات من يعيشون في بلد معين، فإنهم مطالبون بعدم الإفساد في الأرض والمحافظة عليه".
وأشار إلى أنه لا يجوز أن يفهم من الحكم أنه دعوة لتطبيق عقوبة الحرابة على هؤلاء الفلاحين الذين يرتكبون هذا العمل، وإذا صح أن تطبق عليهم عقوبة فهي عقوبة التعزير، التي تقدر بحسب حالة الشخص مرتكب هذه الجريمة، وعلى مقدار الضرر التي نتج عنها."
أما الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فيوضح أن الإسلام بنى على قاعدتين اثنتين "لا ضر ولا ضرار، وأنت حر ما لم تضر نفسك أو غيرك" ، وعملية حرق مخالفات الأرز وحطب القطن عملية مستحدثة كان يستعملها الفلاحين في الطبخ والطهي وما إلى ذلك، لكن بصورة مبسطة لم يظهر لها أثر، أما حرق القش بالصورة الجماعية الحالية بها ضرر على الصحة العامة هو أمر غير جائز.
ويشير إلى أن سبب عدم الجواز هو أن هذا الدخان أصبح يسبب تدهورا في صحة بعض المرضى ربما تودي بحياة البعض منهم، و أصبحت الحقول ملوثة بما نراه ونشاهده ، إلا أنه لايمكن اعتباره إفسادا في الأرض، ولكنه يصل إلى درجة أنك تفسد على الآخرين صحتهم وليس إفسادا بمعنى الإفساد.
وأوضح أن لجنة الفتوى بالأزهر تهيب بالفلاحين على اختلاف طوائفهم أن يتقوا الله في أنفسهم أولا، وفي صحة الآخرين ثانيا، وعلى المسئولين أن يقوموا بتوعية الفلاحين توعية كاملة عن أضرار ما ينجم من هذه الأعمال المشينة، وعلى الدولة ان توفر لهم البدائل التي تمكنهم من التخلص من مخلفات مزروعاتهم، وخاصة أن القرى أصبحت ضيقة لا تتسع لأهلها، ومن هنا لا يوجد مكان لتخزين مخلفات مزروعاتهم.